Philosophy of Life and Death: December 2012

Sunday, December 30, 2012

المفهوم اللغوى للموت

تعد ظاهرة الموت من الظواهر التى تتغلغل فى حياتنا الشخصية وفى معتقداتنا الباطنة الى حد عميق , وذلك لان الموت يمثل واقعة حاسمة لا سبيل الى تجنبها من ناحية , كما انه لا يمكن التنبؤ بها من ناحية اخرى , ولذلك تعد هذه الظاهرة من بين جميع الظواهر التى تعالجها الفلسفة بصفة خاصة , والعديد من العلوم النظرية والعملية بصفة عامة , هى الظاهرة التى ننتظر الاجابة عنها باهتمام يفوق اهتمامنا بكل ما عداها .
وقد نشأ نتيجة لهذا الاهتمام تراث ضخم يسعى نحو التعمق فى فهم " معنى الموت " لا سيما فى نطاق علماء اللغة والاصطلاح ؛ فيذكر ابو البقاء فى مؤلفه الكليات ان الموت هو : " ضد الحياة لغة " . ويلاحظ على هذا التعريف انه تعريف مقتضب يكتفى فى تعريفه للموت بانه ضد الحياة . ويبدو لنا ان مغزى هذا التعريف هو ابراز الموت بوصفه  فقدان للصفات التى تميز الحياة مثل : الحركة والتنفس والتغذى . اما الاحمد النكرى فيذكر فى مؤلفه دستور العلماء او جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون ان الموت : " كيفية وجودية يخلقها الله تعالى فى الحى .. لقوله تعالى : ( خلق الموت والحياة ) " سورة الملك : الاية 2 . والمراد بخلق الموت احداث اسبابه . ويفسر ابو البقاء ذلك بقوله : " لا ضرر لو اريد احداث نفس الموت , وذلك لان الامور العدمية قد تحدث بعد ان لم تكن كالعمى " . نلاحظ على هذا التعريف ميل النكرى الى ابراز الجانب الدينى للموت بوصفه احد الاشياء المخلوقة التى يخلقها الله . فكما يخلق الله الحياة فهو قادر بالمثل على خلق الموت . بيد اننا نرى ان النكرى عندما اراد تفسير خلق الموت ذهب الى ان المقصود بذلك " احداث اسبابه " كتوقف القلب او التنفس .
اما التهانوى فيذكر فى مؤلفه كشاف اصطلاحات الفنون ان الموت هو : " تعطل القوى عن افعالها لبطلان التها , وهى الحرارة الغريزية بالانطفاء , وقيل هو ترك النفس استعمال الجسد . هنا نلاحظ ان التهانوى ينحو فى تعريفه للموت منحى فلسفى فيأخذ من ارسطو الفيلسوف اليونانى تعريفه للموت بانه انطفاء الحرارة الغريزية , ويأخذ من افلاطون تعريفه للموت بانه انفصال النفس عن الجسد .
وفى ضوء ما سبق انتهى التهانوى الى ان الموت على نوعين :
احدهما الموت الطبيعى , ويقال له ايضا الاجل المسمى , وهو انطفاء الرطوبة الغريزية بالاسباب اللازمة الضرورية .. وثانيهما الموت الاستبطالى وهو انطفاء الحرارة الغريزية لا باسباب ضرورية بل بعارض كقتل او خنق او غيرهما .
وهنا نلاحظ ميل التهانوى الى ارسطو اكثر من ميله الى افلاطون .
وقد ذكر بطرس البستانى فى مؤلفه محيط المحيط انواع ثلاث من الموت :
الاول , هو الموت الزمانى , وهو مفارقة النفس للجسد . الثانى , هو الموت الالهى , وهو مفارقة النفس لصحة المعرفة . الثالث , الموت الارادى , وهو مفارقة النفس شهوات الجسد .
ولا تخرج معاجم اللغة فى حدها للموت عن المعانى السابقة فيذكر ابن منظور فى مؤلفه لسان العرب ان الموت : " هو خلق من خلق الله , وهو ضد الحياة " . وما نجده عند ابن منظور هو عين ما نجده عن الزبيدى فى تاج العروس , فيذكر ان الموت : " خلق من خلق الله تعالى . وهو ضد الحياة " . ونفس التعريف نجده عند الطريحى فى مؤلفه مجمع البحرين .
هذا , واذا انتقلنا الى قواميس اللغة الانجليزية سنجدها تتفق على ان الموت هو " نهاية الحياة , وهو الانقطاع النهائى للوظائف الحيوية للنبات او الحيوان او الانسان . فيذكر قاموس ويبستر" Webster's New World Dictionary" ان الموت : هو نهاية الحياة او انقضائها . ونفس هذا التعريف تقريبا نجده فى القاموس العالمى " The Universal English Dictionary " حيث يذكر ان الموت : هو التوقف النهائى والتام لكافة الوظائف الحيوية للكائن الحى , وهو نهاية الحياة .
نلاحظ على هذه التعريفات انها تعريفات تميل الى الجانب العلمى فى توصيفها للموت على انه انقطاع للوظائف الحيوية مع غياب بل وربما اختفاء للجانب الدينى !! بعكس التعريفات التى قدمها علماء اللغة العرب والتى كان يعكس بعضها التأثر بالعقيدة الدينية لا سيما عند النكرى او حتى البعد الصوفى كما هو الحال عند بطرس البستانى لا سيما فى تعريفه للموت الارادى .