فلسفة الانتحار عند افلاطون
يعود الخطاب الفلسفى عن الانتحار الى وقت افلاطون تقريبا , والذى ناقش الانتحار صراحة فى محاورة فيدون , فاعلن على لسان استاذه سقراط : ان البدن سجن النفس , وانه لا يجب على الانسان ان يتخلص من سجنه بالانتحار , وانما عليه ان ينتظر حتى تشاء الارادة الالهية , وذلك لان الانسان ملك لها . ومن ثم فان الانتحار هو فعل مناف للارادة الالهية , ذلك لانه يجرد الالهة من حقها فى انهاء حياة الانسان او استمرارها .
ان حياة الانسان عند سقراط انما تنتهى عندما تقضى الالهة بذلك كما فعلت معه :
" ان اولئك الذين نعيش تحت حراستهم هم الالهة , اما نحن بنى الانسان فلسنا الا جزءا مما يملك الالهة .. اذا ليس من الخطأ ان نقول انه لا ينبغى ان نقتل انفسنا . وان ننتظر حتى تبعث الينا الالهة امرا شبيها بذلك الذى يعرض على اليوم ".
لاشك ان هذا الاعتقاد الافلاطونى عن الانتحار والمستمد من استاذه سقراط يجد اصوله عند العقيدة الاورفية والفلسفة الفيثاغورية التى صرحت بان : " مقامنا نحن بنى الانسان , عبارة عن سجن , وواجب الانسان الا يحرر نفسه او يهرب منه " .
وقد حدد افلاطون فى محاورة القوانين مبدأ العقاب الذى يستحقه المرء الذى ينهى حياته بيده , فقرر انه ينبغى على من " يموتون على ذلك النحو .. ان يدفنوا على نحو شائن فى بقع جرداء لا اسم لها .. ولا يميز القبر بمجرد الاسم .. " .
لاشك ان تقرير افلاطون الى مثل هذه العقوبة يكشف عن رفضه للانتحار . بيد ان افلاطون قد اعترف باستثناءات ثلاث لهذا المبدأ :
1- ان يطلب ذلك منه قانون من قوانين الدولة , كما هو فى حالة سقراط مثلا .
2- ان يسوقه الى ذلك الفعل ضغط كارثة لم يكن هناك سبيل الى تجنبها .
3- ان يكون قد تورط فى عار يائس لا يحتمل .
ويرى افلاطون ان اى شخص ينهى حياته خارج نطاق هذه الاستثناءات الثلاث السابقة فانه شخص ظالم لنفسه , تدفعه " النذالة المجردة والجبن المخنث ".
هنا نلاحظ ان تبرير افلاطون للانتحار قد استند الى ادوار الفرد والتزاماته الاجتماعية متجاهلا فى ذلك الحرية الفردية واستقلال المرء الذاتى , وحريته الشخصية فى تبرير الانتحار , ويظهر ذلك واضحا فى الاستثناء الثانى والثالث للانتحار . ان القول بان تعرض المرء للكوارث او المصائب يبرر الانتحار انما يتجاهل حقيقة ان هذه الحوادث حوادث مؤقتة يمكن تجاوزها بضبط النفس وتغيير بعض جوانب الحياة الخاصة بالفرد , ومن ثم فان اعتقاد افلاطون بامكانية تبرير الانتحار استنادا الى المصائب والعار يعبر عن قصوره فى ادراك حقيقة ان اختيار الانتحار لمواجهة مشكلات الحياة ذات الطابع الكارثى هو بمثابة حل نهائى لمشكلة مؤقتة , ذلك لا لشئ الا لان المنتحر لا يستطيع استعادة حياته السابقة مرة ثانية . فالانتحار نهاية ذات اتجاه واحد غير قابل للعكس .. وهنا يكشف افلاطون عن فلسفة سلبية تجاه مشكلات الحياة وعدم قدرة المرء على تجاوزها .
بيد ان هذه السلبية من الممكن ان نفسرها فى ضوء نظرة افلاطون لطبيعة العالم الارضى فى حد ذاته , فهذا العالم - كما يراه افلاطون - هو عالم اشباح وظلال , ويخلو من الحقائق . اما العالم الحقيقى موطن الثوابت والمطلقات , والحقائق الفائقات فهو عالم مفارق عن عالمنا , وهو فى كلمة واحدة " عالم المثل " . فاذا كان عالم المثل هو العالم الذى يجب ان ترتحل النفس اليه , وتتطلع بشوق نحو ارتياده فلا يوجد ما يبرر للنفس ان تكابد كوارث الحياة ذات الظلال الكاذبة , لهذا نجد افلاطون على الرغم من معارضته للانتحارض كفعل يصادر على حق الالهة فى انهاء حياة الفرد نجده يعود ويضع الاستثناءات التى يمكن للفرد فى ضوئها ان يقدم على الانتحار دون ان يضع نفسه تحت طائلة اللوم الاجتماعى .. بيد انه فى كل الحالات يكشف عن ضعف نفسى تجاه مواجهة المواقف الحياتية ذات الطابع التراجيدى والمأساوى .. !!
No comments:
Post a Comment