أصل الموت فى فلسفة القديس أوغسطينوس
يرى القديس أوغسطينوس ان اصل الموت , وانتقاله الى البشرية انما يرتبط بسقوط الانسان الاول او بالأحرى "سقوط الناس الأولين" , أى أدم وحواء .
يبدأ القديس أوغسطينوس تحليله لأصل الموت بالتأكيد على ان الموت " بالذات , ليس سنة طبيعية , لأن الله لم يخلق أى موت للأنسان إنما عقاب الخطيئة الشرعى , هو الانتقام من الخطئية التى يلاحقها الله ".
فى ضوء ذلك اتجه القديس اوغسطينوس الى تحليل الخطيئة الاولى , وكيف ادت الى سقوط الانسان الاول , ومكابدته الموت .
يرى القديس اوغسطينوس ان الله قد خلق الانسان فى البداية موجودا عاقلا , له ارادة حرة , ويملك القدرة على الاختيار بين الخير والشر . ثم اسكن الله ادم وحواء الفردوس , واوصاهم بأخذ غذائهم من ثمار جميع الاشجار , ما عدا واحدة محرمة عليهم , "لا لان طبيعتها عاطلة , بل تمجيدا للخير الصافى من خلال طاعتهم , التى تعتبر الفضيلة الاولى فى نظام الخضوع لله الخالق " .
بيد ان الانسان " لانه مزود بارادة حرة وقادر بالتالى على التمرد والعصيان فانه قد تمرد وعصى " , فأكل من الشجرة التى اوصاه الله بعدم الاقتراب منها :
" آنذاك تغيرت طبيعة أبوينا الأولين وتشوهت فمنعهما العدل الالهى من شجرة الحياة وجعلهما يموتان موتا جسديا نحمله حتما منذ ولادتنا ".
ويرى القديس اوغسطينوس ان خطيئة العصيان تلك ما كان ليقع الانسان فيها " لو لو يبدأ يرتضى ذاته . وفى الواقع , لقد اعطى آذنآ صاغية للكلمة التالية : " سوف تصيران كآلهة " , ذاك ما كانا وصلا اليه لو انهما بقيا متحدين ومطيعين لمبدأهما السامى والحقيقى , بدلا من ان يجعلا نفسيهما , بكبريائهما , مبدأ وجودهما , لان الآلهة المخلوقين ليسوا كذلك بقوتهم الخاصة , بل بصفتهم مشاركين الالهة الحق . من يتوق اليه ان يكون اكثر مما هو له . والانسان الذى يحب ان يكتفى بذاته يفقد حقه من كان يجد فيه ضالته".
وخطأ الانسان هنا لا يكمن فى ارادته شر فى ذاته , بل لانه فى سبيل البحث عن الخير اشاح بوجهه عن الله اعنى عن الافضل , وهو على الرغم من ان الله صنعه فقد فضل نفسه على الله , فجلب بفعلته الموت الى الوجود الانسانى :
" لاننا بحكم .. الخطيئة .. ترانا ضعفاء محكوم علينا بالموت ".
وفى ضوء تحليل القديس اوغسطينوس للخطيئة نستطيع ان نخلص الى النتيجة التالية :
ان الموت لم يدخل الوجود الانسانى بواسطة ارادة الرب , ولكن جوهر مذهب الخطيئة الاولى , هو ان الزوجين الاولين قد عصيا الله بحريتهما , وانهما قد عوقبا بالموت .
الموت اذا كان مصدره قرار حر , وعلى الرغم من ان الرب قد فرضه الا انه جزاء مناسبا تماما للآثم . اما طبيعة هذا الاثم فهى واضحة فى قصة الخطيئة الاولى . فقد كان هذا الاثم هو الرغبة فى" ان يكون شبه الرب " .وهنا ينظر الى الموت على انه ثمرة تجاهل الانسان لحدود وجوده الانسانى كمخلوق يعتمد فى وجوده الاساسى على الله لا على ذاته , فكان الموت , هو العقاب المستحق على محاولة تخطى هذه الحدود , ورفض التبعية لله :
" من اجل ذلك .. دخلت الخطية الى العالم , وبالخطية دخل الموت , وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس .."
No comments:
Post a Comment